الأربعاء، 17 نوفمبر 2021

الانسان و الحضارة ( 1 )

 

الانسان و الحضارة

 

يصنع الإنسان الحضارة لتكون أداة يستخدمها في رحلة القصيرة " المسماة الحياة"  ، فصنع الحضارة يُعد المهمة الأولي للإنسان في الحياة و هي شيء فطري مغروس بداخله بما اوكله الله به من مهام اعمار الكون ، لذلك تجد الإنسان منذ هبوطه علي الارض بهبوط ادم عليه السلام و هو مشغول بإقامة حضارته و التي تختلف أهدافها و تتفق في هدف واحد ، فاختلاف أهداف إقامة الحضارة يختلف باختلاف المجتمعات و رغباتها و متطلباتها و ثقافتها و عقيدتها ، فالمجتمعات ذات العقيدة السماوية المُنزلة يكون هدفها الأساسي في إقامة الحضارة هو تنفيذ المهمة الموكولة لها من قبل الخالق و هي اعمار الكون و تجد هذا النموذج واضح أشد الوضوح عبر التاريخ بل يكاد يكون محصور في المجتمعات الإسلامية و تحديدا الأولي منها و التي بدأت بالرسالة النبوية الي قرابة ألف عام بعدها ، ....

أما المجتمعات الأخري و الغير مرتبطة بعقيدة سماوية فتكون ابرز أهدافها لإقامة الحضارة هو الحفاظ علي تلك المجتمعات و توفير لها أكبر قدر ممكن من سد الاحتياجات الضرورية للبقاء و النمو و منها من تكون أهدافه هي السيادة و الريادة علي باقي المجتمعات المحيطة ... الخ من الأهداف ، و هذه هي اختلافات اهداف المجتمعات في أسباب إقامة الحضارة ، اما الاتفاق الوحيد بينها هو " الإنسان " إذ أن محور ارتكاز اي حضارة يدور حول الإنسان ( لخدمته، تنميته، الحفاظ عليه ، ارتقائه ، ) و الإنسان مكون من جزئين اساسيين الاول و هو المادة " الجسد" الثاني هو الروح ، و التوازن بين المادة و الروح أمر ضروري حتمي لابد من أن تتحرك الحضارة في حركتها حول الإنسان من خلال الجزئين ( مادة و روح ) حتي تصبح حضارة متنزنة تلعب دورها الأساسي وهو توفير حاجات الإنسان من أجل بقائه ، أما أن تميل الحضارة الي أحدي الجانبين ، فهذا هو الخلل الأولي الذي يكون السبب في إنهاء تلك الحضارة ، فاسباب قيام و نهوض و تقدم الحضارة في أغلب الأحيان إن لم يكن كلها هي اسباب انهيار تلك الحضارة ، " للتوضيح

هو مثال مشاهد و ملاحظ للعيان فقط يحتاج التدقيق لا اكثر ،

هو مثال الحضارة الغربية الحالية و التي

قامت الحضارة الغربية في ظل أوضاع بشرية غاية في السوء ،

فقد افرطت المجتمعات الغربية في الروحانية الشديدة و اهتمت ايما اهتمام بالروح البشرية من خلال المسيحية التي تعتبر ديانة روحانية بحتة ، و بموجب تعميم المسيحية داخل كامل المجتمعات الغربية و محاربة اي ديانة أخري ( اسلام أو يهودية ) و ايضا محاربة اي معتقد اخر غير مستند علي المسيحية بل و وصل الأمر حتي لتجميد المسيحية و رفض أي محاولة تجديد داخلها منذ ظهورها في الغرب و اجتياحها له في القرن الأول الميلادي و حتي ظهور الحركة البروتستانتية في القرن الخامس عشر ، اي حوالي ١٥٠٠ سنة من الجمود و سيطرة الكنيسة علي حياة البشر و محاربة اي محاولة علمية خارج اسوار العقيدة المسيحية التي فرضتها الكنيسة ، لذلك دخل الغرب في حالات متتالية من الفشل و الاضمحلال و الفقر و الجهل ... و العيب ليس في الديانة و إنما في تطبيقها

قالنا في الاعلي

ان محور حركة الحضارة هو الانسان ( الروح و الجسد ) "" ولما كانت الروح في الحضارة الغربية قد أخذت ما  يزيد و يفيض احتياجاتها  من الروحانيات و افرطت فغرقت و اضمحلت عن سابقتها أو ورثيتها ( اليونانية و الرومانية ) فيها فكان لابد من إعادة التوازن مرة أخري إلي محور حركة الحضارة ( الأنسان) كان لابد من

من التوازن بين الروحانية و المادية و هذه كانت فعلا بداية دعوة العلمانية في الغرب ، و هي محاولة خلف توازن بين المادة و الروح ( كانت حق مراد به باطل ) لان اثار تطور تلك الدعوة عكست الآية

فاصبحت المادية هي الطاغية تماما علي الروحانية ، بل و تبدلت الأدوار ، فبعدما كان هناك لاهوت كنسي يحارب و يقهر اي مادية ، تحول الأمر الآن الي لاهوت علمي مادي يعمل كجلاد و بل و قاتل متسلسل لاي مظهر من مظاهر الروحانية في الغرب

و كام كان الإفراط في الروحانية الشديدة في الغرب مع اهمال بل و محاربة المادية هو سبب انهيار الغرب لقرون طويلة ، و سبب انهيار حضارته السابقة و تراثها الفكري و العلمي و اقصد تحديدا اليونانية ،،

أصبح الإفراط في المادية الان و محاربة اي محاولة ولو ضعيفة لايجاد جانب روحي في الحضارة الغربية ، أصبح ذلك الإفراط في المادية هو السبب الرئيسي في انهيار الحضارة الغربية في القريب

و كلمة القريب في عمر الحضارات لا تُقاس بالايام و الشهور و السنين القليلة و إنما تُقاس بالعقود

فالحضارة الغربية الان علي وشك  الانهيار لأنها مثل أي حضارة لها مرحلة تكون و نمو و شباب و شيخوخة لأنها تمثل الإنسان و تمثل مراحل حياته " هكذا يمكن تشبيهها"

فالغرب أفرط في المادية و مازال يفرط فيها بشكل مبالغ فيه   و اصبحت حياة الإنسان في الغرب تدور داخل دوائر مغلقة من المادية البحتة ، في أموره الاقتصادية و الثقافية و حتي الأمور الاجتماعية ، فتغيرت حتي العلاقات في الغرب " ربما اغلب العالم " تحولت إلي شكل مادي بحت فالناظر في حياة معظم الأسر الغربية يجدها في حالة " اللاسرة" فلا هيكل أسري متعارف عليه " اب و ام و أبناء " في حالة أسرية اجتماعية تقوم علي أسس الأسر المتعارف عليه عقب التاريخ ، فتشوهت علاقة الاب و الام بالابناء و لم تعد كما كانت معروفة تاريخيا من طاعة الأبناء للاباء و الأمهات طاعة مطلقة بل تبدلت الي " اللاطاعة" و تحول كل فرد في الأسرة الي كيان مستقل و حياة مستقلة لا يصح ل الآباء والأمهات التدخل فيها و لو حتي من قبيل النصح و الارشاد ، بل و تحولت الحياة الزوجية الي الندية المطلقة كل تلك العوامل أدت بشكل كبير الي انهيار النظام الأسري و انهيار الأسرة هو انهيار المجتمعات إذ أن المجتمعات لا تقوم ولا تتشكل اساسا الا على أساس وجود الأسرة و التي تمثل الشكل المصغر للمجتمع ، ادي انهيار النظام الاسري في الغرب الي تفكك الروابط الاجتماعية و استبدالها بروابط أخري مبنية علي قوانين تتبدل و تتغير بحسب الرغبة و الأهواء الشخصية لا بحسب ما يخدم المجتمع و الفرد داخله. ...

فالافراط في المادية علي حساب الروحانية في الحضارة الغربية الان كارثته ضخمة جدا ، لان أساس الحضارة هو الانسان بمكوناته و مكوناته هي الجسد " المادية " و الروح ، و تغليب أحدهما علي الاخر يشكل خلل داخلي كبير للإنسان

لانه بالأساس ضد الطبيعية البشرية و التي لابد فيها من وجود الروح و المادة ولا تصح تلك الطبيعة البشرية ولا تقوم حياة الإنسان إلا بوجود العنصرين معا يتحركون وفق حركة متناغمة بل و شديدة التناغم

و اي طغيان لأحدهما علي الاخر يسبب الخلل في شكل حركة الحياة و كلما زاد الطغيان لأحدهما علي الاخر كلما زاد حجم الخلل ، و قلنا و نقول ان محور ارتكاز الحضارة هو الانسان و ما قامت اساسا الا لتضمن له حياة سليمة أو شبه سليمة متوافقة مع خلقته و طبيعته البشرية ، فإن اختل الميزان ، اختلت معه الحضارة و كلما زاد الخلل كلما زاد اختلال الحضارة حتي يصل الأمر إلى أن تُطيح أحدي كفتي الميزان بالآخري و ينهار معها كامل الميزان و تنهار معه الحضارة و هذا ما تشاهده بنفسك الان يحدث في الغرب ،

و للحديث بقية "

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق