الأربعاء، 17 نوفمبر 2021

الانسان و الحضارة ( 2 )

 بقاء اي حضارة مرهون بالمنتج الثقافي التي تتركه تلك الحضارة  ، لا المنتج العلمي ، و التاريخ مليء بالامثلة التي تثبت صحة تلك النظرة ، فحضارات كبيرة و ضخمة كان منتجها الأساسي هو المنتج العلمي دون الثقافي و الذي ضمن لها البقاء الي مدة ليست بالقليلة من الزمن لكن في النهاية انتهت الا اللارجعة و كذا انتهي إنتاجها العلمي معها أيضا الا اللارجعة، 

فهذه حضارة بناءة الاهرام ، القوية الشامخة في تراثها العلمي و قد وصلت في مجالات شتي من العلوم الي ما لم يصل إليه من خلفها من حضارات حتي عصرنا الحالي ، و تشهد الاهرامات بذلك و يشهد التحنيط و يشهد الكثير و الكثير علي قوة تلك الحضارة من الناحية العملية ، لكن للاسف الشديد لا يوجد لها تراث فكري أو ثقافي يمكن من خلاله إعادة إنتاج تلك الحضارة مرة أخري ، أو حتي ضمان بقائها في زمنها مدة أطول ، و ذلك علي عكس الحضارة اليونانية القديمة التي خلفت من ورائها تراثا فكريا ضخما جدا ، هذا التراث ضمن لتلك الحضارة الاستمرارية و التوغل داخل الحضارات التي أتت من خلفها و حتي يومنا هذا و اثار الحضارة اليونانية القديمة مستمرة من الناحية الفكرية ، فدائما ما يذكر التاريخ أرسطو و أفلاطون و الكثير من فلاسفة اليونان بل لا يكاد يذكر التاريخ سواهم و أنهم أصحاب المدرسة الفكرية التاريخية الكبري التي مازالت آثارها ممتدة الي الان بعد قرون طويلة من فناء تلك الحضارة ، و هكذا أمثلة كثيرة علي أن ما يبقي من الحضارة هو التراث الفكري و الانساني و الثقافي لا التراث العلمي و العمارة فهي مجرد آثار لا اكثر ، لا تضيف و لن تضيف الي ما خلفها من حضارات من شيء اللهم بعض الأفكار فيما يخص العمارة أو بعض العلوم القليلة ، و لم أري حضارة جمعت بين التراث العلمي و التراث الفكري سوي الحضارة الإسلامية فقط و هو الأمر الذي ضمن لها الاستمرار لمدة تقارب ال ١٤ قرن من الزمان منفردة كاعظم حضارات البشرية قاطبة لما خلفته من تراثا علميا ضخم هو ما بنت عليه الحضارة الغربية حضارتها الحالية و ايضا ما تركته من تراث فكري ضخم في شتي المناحي الإنسانية و الذي سيضمن قطعا إعادة إنتاج الحضارة الإسلامية مرة أخري كبديل للحضارة الغربية المادية البحتة التي ترتكز فقط علي المادة دون الاعتناء بالروح ( الفكر ، الثقافة ، الحاجات الروحية و النفسية ) و لسن في معرض الحديث عن الحضارة الإسلامية هنا و لكن كل ما سبق 

كا مثال للتوضيح فكرة لماذا سوف تنهار الحضارة الغربية قريبا ؟!

هذا لان تراثها الفكري البشري يكاد يكون معدوم و أن منتجها الثقافي و الفكري واحد من اسوء ما أنتجته اي حضارة علي مر التاريخ ، إذ أنه منتج لا يخدم الروح البشرية ولا يخاطبها علي قدر ما تفهم ولا يوفر لها حاجاتها الضرورية التي تحتاج إليها ، و إنما منتجا ثقافيا إن جاز تسميته بثقافيا ، هدفه الأساسي خدمة المادة و المادية التي تقوم عليها الحضارة الغربية ، فالفنون في الحضارة الغربية الان مسخرة تمام التسخير لخدمة المادية ، لتثبيت العلاقات الإنسانية علي قاعدة المصالح الشخصية بما يخدم أسس الحضارة المادية ، فلا تجد في الفنون ما يعالج القضايا الهامة من الناحية الإنسانية الصحيحة لها و إنما من الناحية العملية البحتة التي تتعامل مع الانسان علي أنه مجرد حيوان ناطق تسعي دائما في علاجها لقضاياه النفسية من ناحية علمية بحتة باستخدام العقاقير الطبية و التي وان كانت تفيد الجزء المادي للمشكلة ولكنها لا تفيد تحت اي حال من الأحوال الجزء المعنوي الروحي المشكلة ، ذلك لأن الحضارة الغربية لم تفهم الإنسان من منطلق كونه انسان ،مخلوق أعلي يتحرك وفق قواعد وضعها الله فيه و لكنها تتعامل معه بصفته كائن مادي بحت مثل أي كائن 

آخر من حيوان أو نبات ، لذلك فشلت الحضارة الغربية في تعاملها مع الانسان و طبيعته البشرية الخاصة ، و ادي ذلك الى  ازدياد حالات الأمراض النفسية و الانتحار نتيجة فشل تعامل الحضارة مع الروح البشرية ،

و أما من الناحية الادبية ، فالمنتج الادبي الثقافي الذي تنتجه الحضارة الغربية الان 

هو منتج مادي بحت يركز علي الغزايز و الشهوات و الاباحية التي لا تخدم باي شكل سوي الجزء المادي في الإنسان دون الجزء النفسي له و لن اضرب أمثلة كثيرة يكفي فقط أن تتطلع علي اي منتج ادبي الآن من كتب الغرب الأدبية أو حتي كتب مقليدهم من الشرقيين و سوف تجد أن أغلب إن لم يكن كل المنتج الادبي مرتكز علي الجنس و الاباحية فقط و حصريا ، و هذا ليس بمنتج ادبي يمكن أن يبقي أثره في التاريخ مفيدا نافعا للإنسان و إنما هو منتج وقتي يشبع غريزة وقتية سرعان ما تنتهي لأنه اولا و اخيرا قد مس الجزء المادي فقط في الإنسان ،  و حتي الغرب و حضارته الحالية في التعامل مع الادب الشرقي لا تشجع و تحتفي الا بالنماذج التي تقدم نفس افكار الغرب المادية ، إذ يرد الغرب صبغ الأرض و كافة الحضارات المختلفة بضبغته الخاصة ( المادية المطلقة ) و للاستزادة يمكن تتبع مشاهير الادب و الفلسفة في الغرب و لن تجد اكبر دعما سوي الذين يدعون الي المادية المطلقة 

سبينوزا ، جوتة ، نتشية ، فرويد و القائمة طويلة ،

أما في المجال الديني و هو أعمق ما يمس الروح و الكيان المعنوي داخل الإنسان 

فالحضارة الغربية تكاد تكون قاتل متسلسل شديد التركيز في عمله علي قتل اي شيء يتعلق بالدين تماما ، باساليب مختلفة منها العلمانية المطلقة التي تحارب أي مظهر تدين ( اقصد فيما يخص الاسلام و المسيحية فقط إذ أن اليهودية خط شديد الاحمرار لا يمكن تخطيه أو القرب منه ) و من الأساليب ايضا إهانة المقدسات و التجروء عليها بدافع الحريات الشخصية و منها التشجيع علي الإلحاد و حماية المنتسبين له تحت بند الحريات ، و منها التشكيك المستمر في المصادر الدينية و اللعب علي وتر تحريف الكتاب المقدس و لعب نفس اللعبة مع القران و الحديث لكنها تفشل بشكل مستمر إذ أن القرآن و الحديث محفوظان بحفظ الله لهما ، و هكذا من أساليب محاربة اي نزعة دينية تخاطب الجزء المعنوي الروحي داخل الإنسان ،

و للحديث بقية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق