قواعد مناقشة العلم الصحيحة
بسم الله الخالق العليم الذي خلق السموات و الارض و ما بينهما في ستة ايام و لم يعي بخلقهن , و الصلاة و السلام علي نبينا محمد و علي اله اجمعين ,
اما بعد و قبل الشروع في الكلام عن اي علم او اي موضوع علمي لابد اولا من وضع قواعد عامة هامة في النقاش مبنية علي اسس سليمة غير قابلة للتبديل او التحريف , مبنية علي كلام الخالق الذي اوجد الانسان علي الارض و الذي خلقه و بث فيه الروح و الذي يميته ثم يبعثه فلا قواعد او اسس ذات قيمة ان لم تكن مبنية علي كلام و مراد الله , هذه هي القواعد لمناقشة ليس العلم فقط بل كل شيء علي وجه ( المسطحة )
و هذه القواعد هي
القاعدة الذهبية
ان القران هو كلام الله و بيانه لخلقه الذي يضع لهم اسس حياتهم علي الارض و معيشتهم فيها ، فهو الذي خلقهم و هو الذي يعرف ما يصلحهم و ما ينفعهم ، وما لا ينفعهم ، فالذي اوجدك ، وضع لك طريقة عمل تناسب خلقتك الذهنية و النفسية و البدنية , و القران هو الكلام الذي لا يمكن تجاوزه ولا الانصراف الي قول غيره ، اذ لا اله الا الله ولا كلام فوق كلام الله , و لن يستطيع غيره انه يأتي بمثله او حتي بسورة او حتي اية منه
قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا
اولا
ان الله خالق السموات والارض منفردا
مَّا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا
( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَىٰ ۚ بَلَىٰ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )
ثانياً
انه انزل الكتب السماوية ( توراة و انجيل ) و اخرها القران الذي هو مهيمنا عليها جميعا ،
وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ
وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ
"وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا
"
ثالثا
ان تلك الكتب ليست للعبادة فقط وانما للحياة كاملة دستور(مجازا) حياة للبشر و ليس للتلاوة و التبرك ( عبادة و عمل و علم )
"لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ و َأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ"
وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ"
"كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ"
نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإنْجِيلَ، مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ.
وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا
لَٰكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ
قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا
رابعا
الغرض من خلقك هو العبادة و الاقرار لله بالواحدانية , و الوحدانية تقتضي التوحيد المطلق لله في الاسماء و الصفات و العبودية له وحده
(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ)
و توحيد الله ليس مقصورا علي النطق بالشهادة فقط، دون العمل بها ، فانت حين تقول لا اله الا الله لابد انت تعلم انه لا معبود ولا خالق ولا رازق و لا مقدر و قدير و لا عليم الا الله و ان حياتك و موتك بيده و انه هو المتحكم في مصيرك و في زرقك وحده و في كل امورك و امور الكون وحده ولا دخل لاحد من عباده , فالتوحيد ليس اقرار بالالوهية فقط ولا اقرار بالربوبية فقط ولا الاسماء فقط بل هو اقرار شامل للالوهية و الروبوبية و الاسماء و الصفات و الافعال علي اطلاقها و تفرد الله بها وحده دون شريك او شبيه,
خامسا
إن اول ما نزل من القران و هو الكتاب الخاتم المهيمن علي ما سبقه من كتب ، كان الامر بالعلم بل و كانت اول اية نطق بها الروح الامين علي الرسول الكريم كانت
اقْرَأْ
و لن تستطيع القراءة دون ان تتعلم، فكان اول امر للبشر في الكتاب هو التعلم و العلم و لم يكن العبادة و الصلاة التي كان من المفروض بحسب قول الاغبياء الحمقي ان الكتاب نزل لها ، فكان ضروريا ان يكون مختصا بالعبادة فقط !! و يكأن من انزل الكتاب هو اله مختص بالعبادة فقط و اما باقي شئون الحياة فلا علاقة له بها، و لا لكتابه و انما هي من اختصاص غيره ، و غيره هنا هو الانسان الذي ابتكر العلم و نصب نفسه الها جديدا يوزاي اله العبادة فاصبح لدينا الهين احدهما للعبادة و الاخر ( الانسان ) للحياة و العلم ، تعالي الله عما يقولون علوا كبير ,
ثم تستكمل الايات ان تكون القراءة والتعلم بِاسْمِ رَبِّك باسم ( الاله ) اي وفقا لما انزله و لما خلقك من اجله فانت مخلوق لعبادته وحده و من العبادة اعمار الكون فانت مستخلف في الارض لاعمارها، لتحقيق الغايات و الاهداف التي ارادها الله من خلقك ، و كذلك السبب الذي من اجله انزل الله ادم من السماء ( إني جاعل في الارض خليفة )
قال ابن جرير ( خليفة ) مني ، يخلفني في الحكم بين خلقي ، وإن ذلك الخليفة هو آدم ومن قام مقامه في طاعة الله والحكم بالعدل بين خلقه
ثم تكمل الاية باسم ربك الذي خلق , ( الخالق المنفرد ) و قد نبه عليك بذلك في اول ما انزله من كتابه و هو الكتاب الاخير المهيمن علي كل الكتب ، بل وهو لكل البشر علي الاطلاق لم يختص به قوم مثل التوراة أو الانجيل الذي كان لبني اسرائيل فقط , فتعلم من هنا ان الرسالة في اول كلام الله هي للبشر قاطبة , لذا و لعلم الله السابق في خلقه بدأت بالعلم لانك لن تستطيع العبادة بلا علم ، و لن تستطيع التعرف علي الله ، و علي أوامره و مراده و الغاية التي خلقك منها إلا بالعلم ، و لكن لابد ان يكون هذا العلم من الاله و هو ليس اله فقط و انما الخالق الذي أوجد كل شيء من عدم ( تذكر من عدم )
ثم الاية التالية في اول ما نزل من الكتاب العالمي ( اي للعالمين اجمعين ) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ , فبعد ان عرفك الاله انه الخالق المطلق لكل شيء عاد ليذكرك انه هو من خلقك ايضا و قال خلق الانسان , و لم يقل خلقك و سكت و ذلك ليقر في ذهن القارئ ان خلق الانسان خلق منفرد عن باقي المخلوقات وهو ما اشار اليه في قوله ( قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ) لتأكيد خلق الانسان منفردا بيد الله و هذا من اسبقية علم الله في خلقه اذ ان الله يعلم انه يسأتي من بني ادم من يقول ان الانسان و كل المخلوقات ذات سلف مشترك ( تشارلز دارون ) وانها كلها مخلوقة من خلية اولية واحدة ظلت تتحور حتي انتجت كل هذه المخلوقات !!! و يكأن الخالق لا يستطيع خلق كل تلك الانواع بطريقة مباشرة من العدم ,
ثم تستكمل الاية منشأ خلق الانسان وهو العلق وهو اسم السورة ايضا و فوضع الله بهذا اول قواعد علم الخلق ( الاجنة) كيف يبدأ خلق الانسان و العلق : أي من دم ; جمع علقة ، والعلقة الدم الجامد علق فذكره بلفظ الجمع ; لأنه أراد بالإنسان الجمع ، وكلهم خلقوا من علق بعد النطفة
والعلقة : قطعة من دم رطب ، سميت بذلك لأنها تعلق لرطوبتها بما تمر عليه ، فإذا جفت لم تكن علقة. ثم شرح معني العلق فيما نزل بعد ذلك بل و شرح مراحل تكون الجنين ليضع به كامل علم الاجنة وهو اول علم و اهم علم للبشر اذ هو مرتبط بسبب وجودهم علي الارض فكان اول ما ذكر من العلم و اهميته في حياة البشر و ذلك ايضا لعلمه السابق في خلقه انهم سيظلوا قرون طويلة عاجزين علي ان يصلوا الي حقيقة و كيفية تكونهم فسهل الامر علي الاولين من عباده بشرح طريقة التكوين
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ )
ففسر بذلك معني العلق الذي بدأ به اول ما انزل من كتابه الي البشر واعلمك كيف خلقك و من اين اتيت وما هي المادة التي صنعت منها و ما هي مراحل تكوينك والتي فيما بعد اكتشفها و عرفها العلم الحديث و ليس اثبتها كما يقول الناس ( اثبت العلم الحديث كذا و كذا ) فهذا من ابشع الاخطأ فالعلم لا يثبت ما ورد في كتاب الله بل يعرفه و يتعرف عليه و يفهمه فما ورد في كتاب الله لا يحتاج لاثبات علمي لانه كلام الاله الخالق وحده الذي لا يحتاج الي دليل او اثبات صحته بل كل شيء و كل علم و كل قول يحتاج من كتاب الله ما يثبته و يثبت صحته و الا فهو و العدم سواء لذلك العلم ان لم يكن له سند من كتاب الله فهو لهو و لغو و هو والعدم سواء مثل علوم كثيرة لا قيمة لها ولا فائدة ,
ثم تنتقل الأيات الي توكيد اهمية العلم مرة اخري {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ) بتكرر كلمة اقرأ و هذه المرة يتبعها و ربك الاكرم لتأكيد علي ان مع المداومة علي طلب العلم لا يتخلي عنك الله بل و يزيدك من كرمه و فضله عليك , تعليما و علما , وهي ايضا توضيح ان العلم من الله الاكرم و انه من علم الانسان , علمه بالقلم ( الكتابة) لان لا تعليم صحيح و دقيق من دون قراءة و لا قراءة من دون تعلم الكتابة و لا كتابة بدون قلم ( الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ) ثم تستكمل الايات التأكيد علي ان العلم من الله و هو من وهبه للانسان و علمه ما ينفعه لكي يتم مهمته علي الارض من عبادة و توحيد لله و اعمار الكون (عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ},
خمسة ايات هي اول ما نزل للبشر من كلام الله , خمسة ايات ذكر فيها العلم مرتين , و و وضعت فيها اسس اول علم وهو علم الخلق , النشأة , من اين يأتي الانسان , خمس ايات ذكرت فيها القراءة مرتين بل و كان اول امر لنبي الله صل الله عليه و سلم هو أقرا , اول امر قبل التوحيد , قبل التعريف بالحقوق و الواجبات , قبل العبادة , قبل الصلاة , قبل الدعاء , قبل كل تكاليف , و هذا لاهمية العلم و تعلمه , و لفظة علم في الايات جاءت عامة غير مخصصة بعلم ما كما يعتقد البعض انها نزلت لقراءة القران فقط و تعلمه و هذا لا يظهر من الاية و لا الايات التي خلفها فاللفظ عام مطلق غير مقيد بشيء , للدلالة علي ان المقصود العلم ككل , و لكن بشرط , و تقييد , ان يكون باسم الله وان يكون لهدف انفاذ مهمة الانسان الارض بتعلم ما ينفعه و يفيده و يفيد البشرية لذلك قال الله بأسم ربك الذي خلق حتي يتقيد العلم بما يوافق مراد الله و الذي ينفع الناس في توحيد و عيادة ربهم , و اعمار دنياهم , والحفاظ علي صحتهم و اموالهم و اعراضهم و انسابهم وهي المقاصد الخمسة من الشريعة الاسلامية ( الدين، والعقل، والنسل، والمال، والنفس),
و الايات التي تتحدث عن العلم و العلماء و اهمية العلم و فضل العلم و العلماء , في كتاب الله اكثر من ان نحصيها , للدلالة علي ان الكتاب ليس للتعبد و التلاوة و التبرك و انما لاقامة الحياة كاملة , و اقامة الحياة و المجتمع لا تقوم الا بالمقومات الاساسية من دين و علم و عمل و قوانين ... الخ و كذلك في الكتاب ( ما فرطنا في الكتاب من شيء ) فالله ما ترك في كتابه من شيء يصلح الانسان و به تصلح الحياة ككل الا و ذكر منه علما و حكمة و موعظة , أن القرأن هو الحياة كلها , هو كلام الخالق و اوامره و تعليمه لخلقه فلا يتصور ان ينزل الخالق كتابا فيه كلامه و لا يكون معجز و شامل كافة نواحي الحياة لمن خلقهم !!! فاي اله هذا الذي ينزل كتابا خاتما كرسالة للبشرة قاطبة و يكون فقط قد انزل فيه كيف يصلون و يذكرون و يسبحون !!! تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا,
كانت هذه هي بعض القواعد الهامة فيما سوف يأتي من مناقشات في امر العلم
والله من ورا القصد و لنا عودة ان شاء الله